لا شك انه لا يمكن تصور أن يكون هناك مجتمع دولي دون أن يكون هناك بعض النزاعات التي تنشأ بين دولتين أو أكثر بل قد يصل الأمر إلى حدوث نزاع بين مجموعة من الدول، مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد ترتب على تلك الحروب العالمية نتائج مازالت إلى الآن تؤثر بشكل سلبي كبير على الموارد الطبيعية والبشرية في المجتمعات المشاركة في تلك الحروب مما أدى إلى حدوث خسائر مهولة سواء على المستوى البشري أو المادي بين الدول المتنازعة، فوفقاً لإحصاءات موثقة فأن هناك حوالي 16 مليون حالة وفاة ناتجة عن الحرب العالمية الأولى وحوالي 60 مليون ناتجة عن الحرب العالمية الثانية.
ولا شك أن المجتمع الدولي بعد تلك الحروب بدأ في وضع بعض المبادئ التي تقيد الدول من اجل المحاولة في عدم تكرار تلك الحروب مرة أخرى، وذلك بسبب الآثار المترتبة على الحروب واستخدام القوة فيما بين الدول من نتائج وأثار لا يحمد عقباها.
وفي عام 1945م وبعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وضعت المنظمة في ميثاقها مجموعة من المبادئ والأهداف التي تسعى إلى الحد من الحروب بين الدول، حيث نصت المادة الثانية، الفقرة الرابعة من الميثاق صراحة على مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية أو حتى مجرد التهديد باستخدام القوة وذلك بشكل قطعي وصريح[1] .
فأصبحت فكرة استخدام القوة لحل النزاعات الدولية بين الدول أمر غير مسموح به ولا يمكن اللجوء إليه كما كان الأمر قبل عام 1945م، وبالتالي فأنه لا سبيل سوى اللجوء إلى التفاوض من اجل فض النزاعات التي تحدث بين الدول سواء كان بين دولتين أو بين مجموعة من الدول.
سنقوم في بحثنا بإيضاح مفهوم النزاعات الدولية ونوضح أنواعها، ونحاول إيضاح مبدأ حظر استخدام القوة الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة 1945م وما هي الاستثناءات التي نص عليها المبدأ، ونبين ماهية التفاوض كأسلوب لفض النزاعات الدولية بعدما تم حظر استخدام القوة والتهديد بها بين الدول، وكل ذلك نسقطه على مسألة سد النهضة كنموذج لاستخدام التفاوض ومدى التقيد بمبدأ حظر استخدام القوة بين أطراف قضية سد النهضة.
الدكتور علي الحمدان |
باحث في جامعة باريس العاشرة |