ثمةَ مَدرستان في التأليف البلاغي: مدرسة أدبيَّة اختطَّها عبد القاهر الجرجاني، ومدرسةٌ فلسفية عقلية بدأتْ بأبي يعقوب السكاكي، ولكلٍّ منهما خصائصُ ومميزات، والجرجاني ذو نَظرة كلية شاملة بَناها على نظريَّتَيه في (معنى الـمعنى)، والسَّكَّاكي لم يكن صاحبَ نظرة كلية بقدر ما كان حريصاً على تَقعيد البلاغة التي حَصرها بحدودٍ مَنطقية لجمع شوارِد هذا العِلم، ويلتقي الجرجاني والسكاكيُّ في كثير من الـمَوضوعات في عِلم البيان، والسكاكي استَقى مادته من الجرجاني ولكنه انتَهج غير طريقته، و(معاني النحو) عند الجُرجاني التي تعتبَر من أُسس نظريته في (النظم) تَتمثَّل في (علم الـمعاني) عند السكاكي، فما بَحثه الجرجاني تَلاه عليها السكاكي، واتَّفقا في مُعظم مَباحِث هذا الفنِّ الكُبرى، واختَلفا في التفاصيل.
تبقى محاولةُ الجرجاني البلاغية أكثرَ أصالةً، وتجربةُ السكاكي حَظِيَت بالقبول في العصور القديمة، وقد عرضتْ رُوح العصر الذي ولدت فيه، وتُمثل مرحلةً تاريخية مرَّ بها علم البلاغة، وكان السكاكي وسَطاً بين عبد القاهر الذي جَمع في البلاغة بين العِلم والعمل كأضرابِه من البُلغاء العامِلين، وبين الـمتكلِّفين من الـمُتأخرين الذين سلكُوا بالبيان مَسلك العلوم النظرية.
ومهما يكنِ الـموقف مِمَّا خلَّفه كل منهما من تراثٍ بلاغي، كان له أثرٌ في تكوين مدرستين بلاغيَّتين.
سها علي |
Suha ali |